الأطفال هم أمل المستقبل

أعزائي القراء أعتذر كثيراً عن غيابي الطويل عن المدونة بسبب ظروفي الخاصة، وها أنا اليوم معكم نبدأ بموضوع جديد عن أنواع التربية وأي نوع من التربية ذو أهمية خاصة  لتربية جيل صالح  يتحلى بتقوى الله  وخشيته.

” من تمسك بالتقوى الخالص إنه أهل الله يشهد بذلك ما نُزل في الفرقان ثم في كُتب النبيين.”

ذات يوم كنتُ جالسة على مقعد الحديقة  وانشغلتُ بقراءة الكتاب الذي كان بين يدي، وصلتُ إلى هذه الجملة : { الأطفال هم أغلى وأثمن كنز يمتلكه المجتمع،فأنهم الأمل والضمان للمستقبل حيث يحملون معهم بذور خصائص مجتمع الغد ومواجهة تداعياته… } استغرقتُ ملياً بالتفكير جاهدة أن أوافق بين الخصائص والمتطلبات العامة للأطفال وبين التحديات والصعوبات التي تنتظرهم في المجتمع مستقبلاً. فجأة انقطع حبل أفكاري على صوت ضحكات وقفزات طفل صغير لا يتجاوز الثانية أو الثالثة من العمر، ويراقبه عيون والده الذي يظهر عليه التعب والإرهاق الشديد، ومع هذا كان يستمتع وينتهز الفرصة في مداعبة طفله الصغير.  في هذه الأثناء جلست سيدة بجانبي على المقعد، وعندما رأت قفزات الأطفال وتعالي أصواتهم، تنهدتَ بحرقة و بصوت مرتفع، نظرتُ إليها بدهشة وقلتُ لها: ما أجمل هؤلاء الأطفال ببهجتهم و سرورهم يزول كل التعب والمشقة عند الإنسان، فأصواتهم وضحكاتهم يعطينا الدافع للحياة، أليس …!   قاطعتني بنظرة مكتئبة وصوت حزين وقالت: ” لابد أن ندفع تكاليف باهظة مقابل فرحتهم هذه، التكاليف المادية والجسمية التي لا تنتهي أبداً، ويا ليت يرضيهم هذا وانهمرت الدموع من عينيها فقلتُ لها: عذراً سيدتي ماذا تقصدين بكلامكِ هذا ؟ هل قضاء وقت ممتع مع الأطفال واللعب معهم بحاجة إلى تكاليف باهظة ! أنه، فقط يحتاج لقليل من الهدوء والراحة النفسية والعيش في عالمهم الخيالي و…،  قاطعتني مرة أخرى قائلة: من الواضح أنكِ لا تعرفي شيئاً عن الأطفال، وليس لديك خبرة في التعامل معهم. قلتُ لها: عكس مما تتصورين فأنا كنتُ وما زلتُ أعمل في مجال الأطفال وتربية معلميهم، قالت مندهشة: يا للعجب كيف لكِ أن تعملي مع الأطفال كل هذه السنوات الطويلة ولم تلاحظي إلى حاجاتهم الملحة التي لا تنتهي، أنا لدي طفلان، قبل ولادة طفلي البكر والذي يبلغ الآن العاشرة من عمره، قررتُ و زوجي أن نوفر له كل متطلبات الحياة،وجهزنا له غرفة خاصة بجميع وسائل الترفيه .أي أنني وزوجي لم نقصر عليه من الناحية الجسمية والمادية وفرنا له كل شيء من الألف إلى الياء، وكذلك بالنسبة لولدي الثاني، أردنا أن نكون نِعم الوالدين لهما، بحيثُ لا يشعرا  يوما بالنقص المادي في حياتهما، سعينا كثيراً بأن لا يمروا بالتجربة التي مررنا فيها ونحن أطفال، أتذكر عندما كنتُ طفلة  كان عليّ أن انتظر أشهر بل سنوات لكي يحضر لي والدي دمية أو سيارة صغيرة لأخي، وكذلك كان علينا أن ننتظر مع أخوتي أسبوع كامل لنحصل في يوم الجمعة على كأس صغير من البوظة ( ايس كريم).

فنحن كي نوفر كل أسباب الراحة والرفاهية لأولادنا، اضطر زوجي أن يعمل دوامين ( صباحاً ومساء)، وفي الليل يصل إلى البيت متأخراً ومرهقاً، أما أنا أصبحتُ خادمة و سائقة لأولادي، أخذهم من برنامج إلى نشاط آخر ومن نادي إلى نادي آخر حتى يكونوا دائماً في الطليعة ولا ينقصهم شيء عن أقرانهم وعن بقية أولاد العائلة. كنتُ أتمنى أن أتعلم التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، ولكن أين الوقت؟ نسيتُ نفسي وأهلي حتى أمي المريضة تركتها في منزلها مع الخادمة وهي التي تقوم برعايتها.وأنا الابنة الوحيدة لا أجد الوقت للسؤال عنها أو زيارتها، وكذلك بالنسبة لحماتي ( أم زوجي) أودعناها في دار المسنين ولم نسأل عنها أبداً، لأننا منهمكين في تلبية طلبات أولادنا.

عندما انتهت السيدة من شكواها وأنينها وأيضاً عندما أسمع شكاوي أمهات كثيرات من أمثالها، بادر  بذهني ما قرأته منذ لحظات بأن الأطفال هم أمل المستقبل وأغلى كنز لمجتمع الغد،وهم الذين يحملون معهم بذور خصائص عصرهم ليواجهوا تحديات مجتمع الغد، وكنتُ أتأمل وأفكر بما قرأته وما سمعته من هذه السيدة وغيرها ،فقلتُ في نفسي ما مصير مجتمع الغد و مستقبل هؤلاء الأطفال لو تعم هذه الخصائص جميع الأطفال ،وفجأة لاحظتُ البستاني الذي كان يقوم بتقليم الأشجار وتنظيم وتنسيق الأزهار بدقة فائقة، فوجدت بأن عمل هذا البستاني مطابق لهذا القول: ” أن الأطفال بمثابة غرسه طرية بالتربية الصحيحة يمكن جني ثمارها تماماً كما يعمل هذا البستاني المدرك بأمور الزراعة ومتطلباتها الرئيسية والحاجيات الملحة للتنسيق والتقليم والتربة والجو … فأنه في النهاية سوف ينتظر من عمله هذا جني الثمار المفيدة. و أما إذا كان هذا البستاني يجهل أمور كثيرة من فنون الزراعة والري فعليه أن لا ينتظر جني الثمرة قط.

كذلك بالنسبة للآباء والأمهات فوظيفتهم مع تربية أطفالهم بمثابة هذا البستاني إن لم يكونا على دراية كاملة بأصول التربية والتعليم ويتجاهلا الحاجات الأساسية لتربية فلذات أكبادهم، فلا بد أن تكون نتيجة جهودهم فاشلة.

ما أريد قوله هو أن من واجب الآباء الأعزاء والأمهات الحنونات أن يكونوا على دراية كاملة لجميع جوانب التربية لأن التربية على ثلاثة أنواع:

  1. التربية الجسمانية

  2. التربية الإنسانية

  3. التربية الروحانية

يقصد بالتربية الجسمانية: ترقي الجسم والاعتناء بالصحة والعافية وتناول الأغذية المفيدة التي تقي الجسم من الأمراض وكذلك ممارسة أنواع مختلفة من الرياضة، وعند المرض الرجوع إلى الحذاق من الأطباء. أي كل ما يحتاجه الجسم و ضرورياً لنموه. هذا النوع من التربية يشترك فيه الإنسان والحيوان. و من الملاحظ أن الآباء والأمهات يهتمون كثيراً بهذا النوع من التربية ويضحون بوقتهم ومالهم لإسعاد فلذات أكبادهم حتى أنهم يتجهون إلى الإسراف فيها.

أما التربية الإنسانية : فهي عبارة عن المدنية والترقي والنمو فهي مرتبطة بالعلوم والفنون المختلفة والسياسة والنظام والتجارة والصناعة والاختراعات والاستكشافات المتنوعة، هنا يتميز الإنسان عن الحيوان، ففي هذا المجال يسعى الآباء والأمهات في توفير كل أسباب الراحة والرفاهية والاهتمام بالناحية الإنسانية لأولادهم ، على الرغم كل هذا المجهود الذي يبذله الآباء والأمهات إلا أن كل من الطرفين الوالدين والأولاد غير راضين بنتائج تربيتهم، فيبادر إلى أذهاننا لماذا لا يُقدر الأولاد تعب ومشقة أبائهم، لماذا هم غير راضين عن آبائهم؟ لماذا الآباء أيضاً ليسوا راضين عن أبنائهم ؟ إذن أين تكمن المشكلة الآن ؟؟ لماذا بالرغم الجهود  المبذولة من قبل الآباء والأمهات بصرف وقتهم وأموالهم وصحتهم  ويسعون  بكل جهدهم إلى توفير التربية الجسمية والإنسانية لأطفالهم، وما زلنا نحن الآباء والأمهات والأولاد لسنا راضين عن بعضنا البعض. مع أن تربيتنا كانت محصورة بين هذين البعدين على أكمل وجه ولكننا لم نستطع أن نربي إنساناً كاملاً أو بالأحرى مواطناً صالحاً. لماذا ؟؟ لأن جسد البشري و العقل دائماً عرضة للتغيير والتحولات و لديه قابلية بأن يتعرض للأمراض المختلفة، فهذا النوع من الإنسان الذي يجعل نفسه محصوراً بين هذين البعدين من التربية، يمكننا تشبيهه بشيء معلق معرض للسقوط والزوال. فالإنسان بحاجة إلى شيء يُستند إليه  ويتكأ عليه بحيث لا يتعرض للتغيير والتبديل وهذا لا يمكن سوى بالتربية الروحانية، هذا النوع من التربية مع أننا ذكرناه بعد التربية الجسمية والإنسانية إلا أنه ذو أهمية كبيرة ويعتبر في المرتبة الأولى.

نعم أن التربية الروحانية تشمل ارتباط الإنسان بالخالق عز وجل واكتساب الفضائل  الإنسانية، هذا النوع من التربية يكون سبباً في جلاء وصقل روح الإنسان، وتصبح الروح في حالة الطيران وتكون أكثر خفة من الجسم ، فعلينا أذن أن نضيف هذا النوع من التربية إلى النوعين السابقين، ونكرس جهودنا على التربية الروحانية، حتى نجني ثمرة تعبنا ومجهودنا في تربية أطفالنا وبذلك يصبح لدينا أطفال يتمتعون بخيال واسع النطاق ولديهم القدرة الكافية للتغلب على المشكلات والمصائب الصعبة التي تواجههم في حياتهم اليومية، وأيضاً يستطيع هذا الطفل أن يقدر ويحترم كل الذين يوفرون له المساعدات، ويقتنع برزقه ويبتعد عن الطمع والجشع، يستمتع بالبهجة والسرور مبتعداً عن الكآبة، بعبارة أخرى يكون طفلاً يستمتع بالصحة الروحانية. للوصول إلى هذا النوع من الأطفال يستلزم على الوالدين العناية بتربية الفضائل الإنسانية في أنفسهم أولاً ومن ثَم حماية أطفالهم بالاستفادة من تلك الفضائل، بهذه الطريقة نستطيع أن نؤمن لأطفالنا الحماية و المستقبل الزاهر.

عندما نقدر ونحترم كل إنسان من أجل قيمته الحقيقية، عندما نسعى أن نطهر أرواحنا و نبتعد عن جميع أنواع التعصبات، عندما يرتسم على وجوهنا ابتسامة جميلة ونحاول أن نكلم الآخر كلام لطيف بعيد كل البعد عن التجريح، عندما نحاول أن نضحي من أجل البشرية كافة بغض النظر إلى الجنس أو العِرق أو مستوى المعيشة الاجتماعية أو الدين أو اللون، عندما نتحكم في كلامنا وممارساتنا وسلوكياتنا بالصدق والأمانة، وأيضاً عندما يتحلى أفكارنا وأعمالنا بالفضائل الإنسانية، عندما نقوم بتدريب أطفالنا كل تلك الفضائل، حقيقةً استطعنا أن نقوم بالتربية الروحانية لأطفالنا.

بالتأكيد للوصول إلى آثار التربية الروحانية فإننا بحاجة إلى الكثير من التفكير و التأمل حتى يستطيع أطفال اليوم تهيئة مجتمع متعادل، ومتوازن ونبيل للعيش في عالم يشمله الصلح والسلام.

ستكون نتيجة تربيتنا هذه الكنوز الثمينة التي تشكل مصير مجتمع الغد. فلا يجب إهمال ذلك.

” القيام بتربية الأطفال أمانة في رقابنا، فإذا تجاهل وغفل إي مجتمع في تربية أطفاله،فأنه لا يستطيع أن يكون في مأمن من العقوبة الإلهية.

إلى الحلقة القادمة بشرح أكثر وضوحاً عن مفهوم التربية  الروحانية


2 تعليقان to “الأطفال هم أمل المستقبل”

  1. الدمار Says:

    السلام عليكم

أضف تعليق